إن معرفة علم الفرائض وقسمة التركات والمواريث هي من أجل العلوم وأعظمها، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليمها وتعلمها، حيث قال: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ لَا يَجِدَانِ مِنْ يَقْضِي بِهَا»،
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن علم الفرائض والتركات هو أول علمٍ يُنزَع من الأمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا، فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يتذاكرون هذا العلم، ويمدحون من يهتم به ويطلع عليه.
تعريف التركة وعلم الفرائض والمواريث
التركة لغةً: التَّرِكَة: التخلية عن الشيء، وتركت الشيء تركاً: خلَّيْتُه، وتَرِكَة الميت: ما يتركه من تراثه.
التركة اصطلاحاً: ما يتركه الميت من حقوق وأموال لا تتعلق بحق الغير. وقد عرفها المالكية بقولهم: حق يقبل التجزؤ، يثبت لمستحقٍ بعد موت من كان ذلك له
وعلم الفرائض والمواريث: هو علمٌ يُعرَف به كيفية توزيع التركة على مستحقيها.
أركان الميراث
الركن في الاصطلاح الشرعي: ما يقوم به الشيء، ويتوقف وجوده عليه، وعادةً يكون الركن داخل الشيء، بخلاف الشرط الذي يكون خارج الشيء؛ فالركوع مثلاً من أركان الصلاة، وهو داخلها، أما الطهارة فهي من شروط الصلاة، وهي خارجها، وبذلك نفهم الفرق بين الركن والشرط.
وللإرث ثلاثة أركان، وهذه الأركان.
الـمُوَرِّث: وهو الشخص الميت حقيقةً، أو الملحق بالميت حكماً؛ كالمفقود الذي حكم القاضي بوفاته بسبب غيبته الطويلة، أو تقديراً؛ كالجنين الذي انفصل عن أمه ميتاً بسبب جناية وقعت على أمه.
الوارث: وهو الشخص المستحق للإرث عند موت الـمورِّث، سواء أكان الوارث من الأحياء حقيقة، أو من يُلحَق بهم حكماً؛ كالمفقود الذي لم تُعلَم حياته من وفاته، وكالحمل الذي لم يولد ويخرج للحياة بعد.
الموروث: وهي التركة.
فالإرث يقوم على هذه الأركان الثلاثة، بحيث لو فُقِدَ أيٌّ منها لانتفى الإرث، وانعدم من الوجود.
شروط الإرث
الشرط: هو تعليق شيءٍ بشيءٍ، بحيث إذا وُجِدَ الأول وُجِدَ الثاني، وقيل: الشرط: ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجاً عن ماهيته، ولا يكون مؤثراً في وجوده، وقيل: الشرط: ما يتوقف ثبوت الحكم عليه.
وهنا ثلاثة شروطٍ للإرث، وهي:
أولاً: موت الـمُورِّث: لا بد من التأكد من موت الـمُورِّث، إما حقيقةً، أو حكماً، أو تقديراً.
- فالموت الحقيقي: هو انعدام الحياة للشخص، إما بالمعاينة والمشاهدة، أو بالسماع، أو البينة.
- وأما الموت الحكمي: فهو أن يُصدِرَ القاضي حكماً على شخصٍ بموته؛ كأن يكون هذا الشخص مفقوداً منذ مدةٍ طويلةٍ.
- وأما الموت التقديري: فهو إلحاق الشخص بالموتى تقديراً؛ كالجنين الذي انفصل عن أمه بسبب جناية وقعت عليها.
ثانياً: حياة الوارث: يجب التأكد والتحقق من حياة الوارث حين وفاة مُورِّثه، كأن يكون حياً حقيقةً، أو حكماً كالمفقود الذي لم يحكم القاضي بوفاته بعد، أو تقديراً كالجنين الذي انفصل حياً بعد وفاة أمه، ولو كان مضغةً أو علقةً.
ثالثاً: العلم بجهة الميراث: لا بد لكل وارثٍ أن يعلم أنه أحد ورثة المتوفى، سواءٌ من جهة القرابة أو الزوجية، كما سنوضح في أسباب الميراث.
أسباب الميراث
السبب في الاصطلاح الفقهي: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم، فالسبب ما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم
للميراث أسبابٌ إن وُجِدَت استحق الشخص الميراث، وإن فُقِدَت لم يستحق الشخص الميراث، وهذه الأسباب هي:
القرابة والنسب: ويقصد بها كل صلةٍ بين الوارث والـمُورِّث سببها الولادة، والقرابة تشمل فروع الميت وأصوله على النحو الآتي:
أولاد الميت، وأبناؤهم ذكوراً وإناثاً.
الأب والأم، وآباؤهم وأمهاتهم؛ كالجد والجدة.
الإخوة والأخوات.
الأعمام، وأبناؤهم الذكور فقط.
الزوجية: ويقصد بها العقد الصحيح الذي كان قد تم بين الزوجين، سواءٌ صحبه دخولٌ بالزوجة أم لم يصحبه، والزوجية تشمل الزوج والزوجة فقط، والزوجان يتوارثان من بعضهما ما دام العقد قائماً بينهما حتى لو وقع طلاقٌ رجعيٌّ؛ لأن الزوجية تبقى قائمةً في الطلاق الرجعي ما دامت الزوجة في العدة، أما في الطلاق البائن فلا ترث الزوجة من زوجها حتى وإن كانت في العدة، وهذا إن طلاقها زوجها في حال صحته، أما إن طلقها في مرض الموت؛ من أجل أن يحرمها من الإرث، فهنا تستحق نصيبها من الميراث؛ لقصد الزوج السيء.
موانع الإرث
المانع من الإرث: عبارة عن انعدام الحكم عند وجود السبب؛ أي ينعدم الحكم بالميراث لشخصٍ ما عندما يوجد سببٌ ما يمنعه من ذلك، وهذا ما يسمى بموانع الإرث.
وسنذكر فيما يلي موانع الإرث، وهي:
١- القتل: ويقصد به قتل الوارث لمورِّثه بدون وجه حقٍّ، والقتل الذي يُعدُّ مانعاً من موانع الإرث هو القتل الموجب للقصاص أو الدية، والدليل ما روي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ - قَتَلَ ابْنَهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ عُمَرُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، فَقَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ»، ولأن هذا الفعل قد يكون سبباً في أن يستعجل أي وارث موت مورِّثه فيسعى للتخلص منه، وهنالك قاعدةٌ فقهيةٌ مشهورةٌ تقول: (من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقِبَ بحرمانه).
٢- اختلاف الدين: ويقصد به اختلاف دين الـوارث عن مُورِّثه؛ كأن يكون الوارث مسلماً والمورِّث كافراً، أو العكس، أو يكون الوراث يهودياً والمورِّث نصرانياً، والدليل ما رُوِيَ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى»، وعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَرِثُ الـمُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ الـمُسْلِمَ»، واختلاف الدين يعتبر مانعاً من موانع الإرث حتى ولو أسلم الوارث قبل قسمة التركة عند جمهور الفقهاء؛ لأن التركة قد وجبت لأهلها بموت المورِّث، وعند موت المورِّث لم يكن مسلماً، بينما ذهب الإمام أحمد إلى جواز توريثه في هذه الحالة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ»، وترغيباً له في الإسلام.
الحقوق المتعلق بالتركة ذكرنا سابقاً أن التركة هي ما يُخلِّفه المورِّث من أموالٍ بعد وفاته، ولكن قبل أن يتم قسمة التركة هنالك حقوقٌ يجب تأديتها والقيام بها، وهذه الحقوق مقدَّمة على قسمة التركة، بحيث لا يجوز قسمة التركة إلا بعد القيام بهذه الحقوق وتأديتها على أتم وجهٍ.هنالك عدة حقوقٍ متعلقةٍ بالتركة، سنذكرها بشكلٍ مرتبٍ من الأهم إلى الأقل أهمية، بحيث يتم تأدية هذه الحقوق وَفْقَ الترتيب التالي:أولاً: تجهيز الميت وتكفينه ودفنه: أول شيءٍ يقوم به الورثة هو تجهيز الميت، وتكفينه، ودفنه، بدون تبذيرٍ ولا تقتيرٍ؛ لأن ذلك من الأمور الضرورية التي تتعلق بحق الميت ورعاية حرمته وكرامته الإنسانية بمواراته في قبره، والتجهيز المطلوب: هو كل ما يحتاج إليه الميت من حين موته إلى أن يُوارى في قبره من نفقات غسله وكفنه وحمله ودفنه وحفر قبره.
ولا يعد من نفقات التجهيز ما ابتدعه الناس من إقامة المآتم والولائم، وما يُدفَع لبعض المنشدين والمرتلين من أذكارٍ وتلاواتٍ، فهو كله من البدع التي لا يجوز الإنفاق عليها من التركة، فمن أنفق شيئاً على هذه الأمور فهو الضامن له، فإن كان وارثاً فهو من ماله الخاص، وإن كان أجنبياً فهو متبرعٌ.وقد ذهب الحنابلة إلى تقديم نفقات التجهيز والتكفين على وفاء الدين، في حين ذهب الحنفية والشافعية إلى تقديم وفاء الدين على نفقات التجهيز والتكفين، وقال المالكية: يقدم وفاء الدين على التجهيز إذا كان الدين موثقاً برهنٍ.ثانياً: قضاء ديون الـمُورِّث: بعد تجهيز الميت تقضى ديونه من جميع ماله الباقي بعد التجهيز والتكفين والدفن، ويجب عدم التفريط في وفاء الدين؛ لأنه يبقى معلقاً بذمة صاحبه.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟»، قَالُوا: لاَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟»، قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟»، قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، قَالُوا: ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.ثالثاً: تنفيذ الوصايا: يتم تنفيذ وصايا الميت من ثلث ما تبقى بعد تجهيزه ووفاء ديونه، لا من ثلث أصل التركة، ولا تُنفَّذ الوصايا إذا زادت عن الثلث إلا بإجازة الورثة، وإن أجاز بعضهم دون بعضٍ، نُفِّذَت في مقدار حصة المجيز دون غيره. كما لا تُنفَّذ الوصية لوارث مطلقاً إلا بإجازة الورثة، سواءٌ أكانت أقل من الثلث أم أكثر.رابعاً: قسمة التركة على الورثة: بعد أداء الحقوق الثلاثة السابقة، يتم قسمة ما تبقى من التركة على الورثة المستحقين لها.
مثال عن الحقوق المتعلقة بالتركة:
توفي شخصٌ، وترك مبلغاً قدره مليوناً، وعليه دينٌ 200 ألفٍ، وأوصى لدار الأيتام بخمسين ألفاً، وكلَّف تجهيزه وتكفينه ودفنه 100 ألفٍ.نقوم أولاً بخصم كلفة التجهيز والدفن 100 ألفٍ، ثم نقوم بإيفاء الديون 200 ألفٍ، وننفِّذ وصيته كاملةً؛ لأنها أقل من ثلث الباقي، فنعطي لدار الأيتام 50 ألفاً، فيبقى 650 ألفاً، وهي التركة التي يجب تقسيمها على الورثة.
الوارثون ومراتبهم
من توافرت فيه أسباب الميراث من قرابة أو زوجية فإنه يرث من المتوفى، ومراتب الورثة تختلف بين أصحاب الفروض والعصبات؛ لذا سنتحدث عنهما في المطلبين الآتيين.
أصحاب الفروض
أصحاب الفروض: هم المستحقون للأنصباء الستة المقدرة في كتاب الله عز وجل، وهذه الأنصباء هي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس، وأما أصحابها فهم اثنتا عشر، أربعةٌ من الرجال، وثمانيةٌ من النساء.
وفيما يلي نستعرض أصحاب الفروض من الرجال والنساء، مع ذكر أحوالهم في الميراث على النحو الآتي:
أصحاب الفروض من الرجال.
أصحاب الفروض من الرجال أربعة؛ وهم:
الأول: الأب:
وهو أبو المتوفى، والأب لا يُحرَم من الميراث أبداً، بل يقوم بحجب غيره، وقد ثبت ميراثه في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء : 11].
الثاني: الجد:
المراد بالجد: الجد الصحيح أو الجد الثابت: وهو الذي لا تدخل في نسبته إلى الميت أنثى؛ كأب الأب. ويقابله الجد الرحمي، ويُسمَّى الجد الفاسد أو الجد غير الثابت؛ كأبي الأم: وهو الذي يدلي إلى الميت بأنثى، فهو ليس بصاحب فرض ولا عصبة، بل هو من ذوي الأرحام.
وميراث الجد كميراث الأب، فله نفس الحالات الثلاث، إلا أنه يُحجَب عند وجود الأب؛ وذلك وَفْقاً للقاعدة التي تقول: (من أدلى إلى الميت بواسطة لا يرث مع وجود تلك الواسطة).
وله حالات خاصة مع الإخوة الأشقاء والإخوة لأب عند من لا يقول: إن الجد يَحْجِبُ الإخوة كالأب.
الثالث: الزوج:
ثبت ميراث الزوج بالقرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء : 12].
الرابع: الأخ لأم:
والأخ لأم هو أخ من جهة الأم فقط، وقد ثبت ميراث الإخوة للأم في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء : 12].
ومن الآية السابقة نفهم أن الإخوة لأم يشتركون في الميراث عند تعددهم، سواء أكانوا رجالاً فقط، أم إناثاً فقط، أم رجالاً وإناثاً معاً، وهنا لا نطبق قاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن).
أصحاب الفروض من النساء
أصحاب الفروض من النساء ثمانية؛ وهن:
الأولى: الزوجة:
ثبت ميراث الزوجة في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء : 12].
الثانية: البنت:
نصت آية المواريث على نصيب البنات في الميراث، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء : 11].
الثالثة: بنت الابن:
ثبت ميراث بنت الابن في السنة النبوية، فعن هُزَيْل بن شُرَحْبِيل، قال: سُئِلَ أبو موسى عن بنتٍ وابنة ابنٍ وأختٍ، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وَأْتِ ابْنَ مسعودٍ، فَسَيُتَابِعُني، فسُئِلَ ابنُ مسعودٍ، وأُخْبِرَ بقول أبي موسى فقال: لقد ضَلَلْتُ إِذاً وما أنا من المهتدين، أَقْضِي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ».
الرابعة: الأخت الشقيقة:
الأخت الشقيقة: هي أخت من جهة الأب والأم معاً، وقد ثبت ميراثها في القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء : 176].
الخامسة: الأخت لأم:
الأخت لأم: هي أخت من جهة الأم فقط، وحالاتها نفس حالات الأخ لأم الذي وضحنا حالاته عند الحديث عن أصحاب الفروض من الرجال، وما قيل فيه يقال في الأخت لأم؛ لذا يرجى مراجعة حالاتها في الميراث هناك.
السادسة: الأخت لأب:
الأخت لأب: هي أخت من جهة الأب فقط، وقد ثبت ميراثها في القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء : 176].
السابعة: الأم:
الأم: هي أم المتوفى، وقد ثبت ميراثها في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء : 11].
المسألتان العمريتان أو المنبريتان؛ نسبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب الذي أفتى بهما وهو على المنبر، وهاتان المسألتان هما:
المسألة الأولى: توفيت عن زوج، وأب، وأم: فهنا نعطي الزوج أولاً النصف؛ لانعدام الفرع الوارث، وما بقي بعد خصم النصف نعطي ثلثه للأم، والباقي عصبة للأب.
المسألة الثانية: توفي عن زوجة، وأب، وأم: فهنا نعطي الزوجة أولاً الربع؛ لانعدام الفرع الوارث، وما بقي بعد خصم الربع نعطي ثلثه للأم، والباقي عصبة للأب.
وهاتان المسألتان من المسائل النادرة، وقد تم إعطاء الأم ثلث الباقي بعد خصم نصيب أحد الزوجين؛ لأننا لو أعطيناها ثلث التركة لأخذت أكثر من نصيب الأب، وهذا يتنافى مع قاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن).
الثامنة: الجدة:
الجدة: هي التي لا يدخل في نسبتها إلى الميت جد رحمي، وهي أم أحد الأبوين؛ كأم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب، وأم أم الأم، وأم أم الأب، وتُسمَّى بالجدة الصحيحة أو الثابتة، ويقابلها الجدة الرحمية أو الفاسدة: وهي التي يدخل في نسبتها إلى الميت جد رحمي؛ كأم أبي الأم، وأم أبي أم الأب، وهذه ليست من ذوات الفروض، وإنما هي من ذوات الأرحام.
العصبات
أولاً: تعريف العصبة
العَصَبَة لغةً: قرابة الرجل لأبيه وبني عمه، وكذلك كل شيءٍ استدار حول شيءٍ واستكفَّ فقد عَصِبَ به.
العَصَبَةُ اصطلاحاً: هو كل من ورث المال بنفسه كاملاً، وهم أقارب الميت الذكور الذين لا تتوسط بينهم وبين الميت أنثى، فإن تخللت أنثى في النسبة إلى الميت، كان الشخص من ذوي الأرحام كأبي الأم، وابن البنت، أو من ذوي الفروض كالأخ لأم.
ثانياً: أدلة توريث العصبة
وقد ثبت توريث العَصَبَة بالقرآن الكريم في أكثر من موضعٍ؛ منها قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء : 11]، فدلت الآية السابقة على أن البنوة من العصبات، ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء : 176]، وقد دلت هذه الآية على أن الإخوة من العصبات.
وكذلك صرحت السنة النبوية الشريفة بإثبات التعصيب لكل قريبٍ من الرجال يتصل بالمتوفى عن طريق الرجال، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
ثالثاً: أنواع العصبات
العصبة ثلاثة أنواعٍ، وهي: العصبة بالنفس، وهي موضوع هذا المطلب، والعصبة بالغير، والعصبة مع الغير، وهذان النوعان وضحناهما عند الحديث عن أصحاب الفروض، وبينَّا هنالك من يستحق العصبة بالغير والعصبة مع الغير، فلا داعٍ لإعادة الحديث عنهما هنا.
ختاماً:
لقد تولى الله - جل جلاله - تقدير الفرائض، ولم يُفوِّض ذلك إلى أحدٍ، فوضَّح لكل وارثٍ ما له كما رأينا في هذا البحث، وذلك بخلاف الكثير من الأحكام التي جاءت مجملةً وفصَّلتها السنة النبوية، فالفرائض والمواريث أُنزِلت فيها آيات مفصلة في أوائل سورة النساء وأواخرها، وأمر الله تعالى بإعطاء كل نصيبٍ لمستحقيه، ووعد من أدَّاها بالثواب الجزيل، وتوعَّد من تعدَّاها بالعقاب الشديد.
قال سبحانه وتعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء : 13 - 14]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقسمة الفرائض بين أهلها فقال: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».